بين براغماتية المصالح وذاكرة التحالفات القديمة في ملف الصحراء.. استقبال زعيم البوليساريو في لواندا يعيد رسم معالم الموقف الأنغولي
أعاد استقبال زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، في العاصمة الأنغولية لواندا، أمس الثلاثاء، إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول حقيقة موقف أنغولا من قضية الصحراء، ومدى ثباتها على الموقف الذي عبّرت عنه سنة 2023، حين أعلنت دعمها لحلّ سياسي قائم على التوافق، في بيان مشترك مع المغرب.
فمنذ سنة 2023، بدا أن أنغولا شرعت في مراجعة تموقعها التقليدي داخل محور الجزائر وجنوب إفريقيا الداعم لجبهة البوليساريو، بعد أن أكدت بشكل واضح في الرباط تأييدها لحلّ سياسي توافقي لقضية الصحراء، معتبرة أن هذا التوجّه ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة ويضمن استقرار المنطقة.
وقد اعتُبر ذلك البيان حينها تحولًا دبلوماسيًا لافتًا لصالح الرباط، لاسيما بعد ربع قرن من الجفاء السياسي بين البلدين، قبل أن يُعاد ربط العلاقات بينهما سنة 2018 بقرار مشترك من الملك محمد السادس والرئيس جواو مانويل لورينسو.
غير أن المشهد اليوم يبدو أكثر تعقيدا، فاستقبال إبراهيم غالي في مطار أنطونيو أغوستينو نيتو من طرف كاتبة الدولة للعلاقات الخارجية ومحافظ العاصمة لا يمكن فصله عن محاولة أنغولا الإبقاء على خيط رفيع يربطها بجبهة البوليساريو وحلفائها الإقليميين، وهو ما يعكس قدرًا من الغموض في توجهات لواندا الدبلوماسية، أكثر منه سياسة موازنة واضحة.
وكانت أنغولا قد أكدت سنة 2023، ضمن بيان مشترك بين وزارة خارجيتها ونظيرتها المغربية، أنها تؤيد حلاً سياسيًا قائمًا على التوافق في قضية الصحراء، وهو ما اعتُبر في حينه تحولا مهمًا لصالح الرباط، كما أعربت عن تطلعها إلى إقامة تعاون طموح ومثمر في عدد من المجالات مع المملكة المغربية.
وقد مهد المغرب لهذا التحول في موقف أنغولا من قضية الصحراء، حينما استقبل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، في ماي 2022، مبعوث الرئيس الأنغولي جواو مانويل لورينسو، الذي كان يحمل رسالة من الرئيس إلى الملك محمد السادس.
وأكد المبعوث الأنغولي حينها على ضرورة تعزيز علاقات الصداقة التي تجمع بين أنغولا والمغرب، البلدين اللذين يمتلكان تاريخًا مشتركًا، مذكّرًا بأن المغرب كان أول بلد يدعم أنغولا عبر الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، وأن أنتونيو أغوستينيو نيتو، أول رئيس لجمهورية أنغولا، كانت تربطه علاقة صداقة بالمملكة.
يُذكر أن العلاقات المغربية الأنغولية كانت مقطوعة طيلة 25 عامًا، قبل أن يقرر الملك محمد السادس والرئيس لورينسو إعادتها سنة 2018، بعد لقاء جمع بينهما. وقد تمّ الشروع في ذلك من خلال زيارة وزير خارجية لواندا، مانويل دومينغوس أغوستو، إلى الرباط ولقائه بنظيره المغربي، غير أن وتيرة تطور العلاقات ظلت بطيئة، خصوصا في ظل استمرار الدعم الأنغولي لجبهة البوليساريو خلال التطورات التي شهدتها قضية الصحراء منذ سنة 2020.




